رحم الله بكراً: صاحب القرطاس والقلم
فضيلة الشيخ :: إبراهيم الأزرق
( طبعا ابراهيم اخوي احم احم )
28/1/1429
تلقى خبر وفاة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، فخنقته العبرة وسقطت من عينه دمعة.
سأله أحدهم: هل كانت لك بالشيخ صلة؟
قال: لم أره قط ، غير أنّ كتابته أرتنيه عالماً محققاً، وبحّاثة مدققاً،
من طالع بعضها يقف على علم جم مصاغ في أسلوب فخم، لغة رفيعة عالية، وعبارة
دقيقة محررة، مع تضمنها تقرير الحكم الشرعي لنوازل معضلة، وقضايا معاصرة
تمس الحاجة لبحثها، ولاسيما مِن قِبَل مثله ممن استوت عندهم آلة البحث
والنظر، وأنعم الله عليهم بمنة الفهم وملكة الاستنباط، وسلامة المنهج.
فلله أي علامة فقدت المجامع واللجان والمحافل العلمية! لقد غيب تحت أطباق
الثرى ليلة الأربعاء علَمٌ، ودفن معه عِلْم جم، فاخلف اللهم الأمة خيراً
فاخلف اللهم، وأعذ الأمة من معضلات ولا مثل بكر لها.
لقد كان الشيخ بكر رحمه الله صاحب القرطاس المحرر والقلم السيال، ضرب في
التأليف والبحث بسهم لم يتأت لكثير من الكبار الذين شغلوا بنحو ما شغل به
من الأعباء.
فلله أي علامة فقدت المجامع واللجان والمحافل العلمية! لقد غيب تحت أطباق
الثرى ليلة الأربعاء علَمٌ، ودفن معه عِلْم جم، فاخلف اللهم الأمة خيراً
فاخلف اللهم، وأعذ الأمة من معضلات ولا مثل بكر لها
فقد ولي الشيخ رحمه الله القضاء في المدينة النبوية، والتدريس في مسجدها
الشريف، والإمامة والخطابة فيه، ثم كان وكيلاً لوزارة العدل، وعضواً في
اللجنة الدائمة للإفتاء، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية،
ثم ممثلاً للمملكة في مجمع الفقه الإسلامي العالمي، الذي تعقده منظمة
المؤتمر الإسلامي، فاختير رئيساً للمجمع العلمي الدولي.
كما كان الشيخ عضواً في كثير من المجامع واللجان والمؤتمرات المتخصصة في
داخل المملكة وخارجها، وكل هذا لم يشغله عن التأليف، في قضايا معضلة
معاصرة، وأخرى تمس حاجة الساحة إليها، بل لم يشغله عن التحقيق وإخراج
التراث في علوم ومعارف مختلفة.
أما النوازل الفقهية التي بحثها فما أكثرها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- التقنين والإلزام: عرض ومناقشة.
2- المثامنة في العقار ونزع الملكية للمصلحة العامة.
3- أدب الهاتف.
4- حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية.
5- بطاقة التخفيض: حقيقتها التجارية وأحكامها الشرعية.
6- بطاقة الائتمان: حقيقتها البنكية التجارية وأحكامها الشرعية.
7- العلامة الشرعية لبداية الطواف.
8- فتوى جامعة في زكاة العقار.
9- المرابحة للآمر بالشراء.
10- طرق الإنجاب في الطب الحديث وحكمها الشرعي.
11- أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء.
12- حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤية.
13- خطاب الضمان.
وغيرها، وله في تأصيل بحث النوازل كتاب: (فقه النوازل).
وقد عني الشيخ رحمه الله بتأصيل العلوم، فمن ذلك كتابه المذكور في فقه النوازل، ومنها:
1- المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل.
2- وكتابه طبقات النسابين.
3- وحلية طالب العلم فقد تضمن تأصيلاً في منهجية الطلب.
4- وكتابه في التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل.
وهذا الكتاب له عليه تطبيقات عملية هي جملة من الأجزاء الحديثية تدل على
تمكن من طرق التخريج، وعناية بعلم الحديث، وقد كانت هذه إحدى سمات بحثه؛
المعرفة بالدليل من الكتاب والسنة، والتعويل عليهما.
وللشيخ بحوث فقهية تدل على سبق قدمه في مضمار الفقهاء، أشير إلى بعضها عند ذكر ما ألفه في النوازل.
أما مؤلفاته في منهاج أهل السنة والخلاف بينهم، فنفيسة تدل على اعتدال ووسطية، مع أصالة ومعرفة بالواقع ومن تلك المؤلفات:
1- تحريف النصوص من مأخذ أهل الأهواء في الاستدلال.
2- درء الفتنة عن أهل السنة.
3- حكم الانتماء.
4- تصنيف الناس بين الظن واليقين.
5- هجر المبتدع.
6- براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة.
وكل هذه الجهود لم تلهه رحمه الله عن أعداء الدين الطاعنين في ثوابت
الأمة، بل فوق سهامه فأصابت مؤلفاته نحور المستغربين والعلمانيين، فأخرج
لهم:
1- الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان.
2- عيد اليوبيل.
3- حراسة الفضيلة.
4- والمدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية: تاريخها ومخاطرها.
وغير ذلك.
فمن توفيق الله للشيخ أن قلمه لم يقصر على القضايا الفقهية المجردة، بل
أبى إلا أن يكون حارساً للفضيلة، دارءاً للفتنة عن أهل السنة، مبطلاً
لنظريات المبطلين، وله به جهود أخرى، فرحم الله صاحب القرطاس والقلم،
وأخلف الأمة عوضاً عنه فهوماً وعلوماً، اللهم اغفر لعبدك بكراً وارفع
درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب
العالمين، اللهم افسح له في قبره ونور له فيه، واجزه عن خدمة العلم أجزل
ما جزيت به أهله العاملين.
..............